قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
لقاء جماعة تحفيظ القرآن بالحريق
2530 مشاهدة
دور المعلم لكتاب الله

فلذلك نقول: إن الذين وفقهم الله تعالى لقراءة القرآن، وحفظه، وتعلمه، وتعليمه ممن أراد بهم خيرا، كما تذكرون هذا الحديث الذي يُكْتَبُ في كل جهة خيركم مَنْ تَعَلَّمَ القرآن وعَلَّمَهُ بشرى كبيرة لِمَنْ وَفَّقَهُ الله تعالى، ولِمَنْ أعانه على تَعَلُّمِ القرآن، وعلى تعليمه، الخيرية هاهنا عامة.. ( خيركم ) يعني خيركم دينا، وخيركم حسنات، وخيركم فضلا، وخيركم أجرا، وخيركم سعادة عاجلة، أو آجلة، فضل كبير إذا خلصت النية.
الذين يتولون التعليم هؤلاء ممن اشتغلوا بكتاب الله تعالى، وصاروا يُعَلِّمُونَهُ مَنْ هم بحاجة إلى التعليم، لهم أجر كبير، وعلى خيرٍ في فعلهم هذا، حيث إنهم يُرَبُّون أجيالا وأولادًا من أولاد إخوانهم المسلمين، يُرَبُّونهم على خير ما يتربى عليه.. المسلمُ في صِغَرِهِ إذا تربى على سماع القرآن، وعلى الاستفادة منه.
لا شك أن ذلك يكون حافزًا لهم على أن يواصلوا هذا التعلم، فإن المعلم يكون قدوة لِمَنْ يُعَلِّمُهُمْ ، ولمن يربيهم، سيما إذا كان ناصحا، وكان أيضا ممن يستعمل الأساليب الحسنة الجذابة يُرَغِّبُ الأولاد، ويُنَشِّطُهُمْ ويُمَنِّيهم ويُبَشِّرهم ويَحُثُّهم على المواصلة، ويُوَبِّخُ المتكاسلين والمتثاقلين والمتأخرين والْمُتَوانين، ويَحُثُّهم على مسابقة إخوانهم، وعلى السَّيْرِ مع زملائهم على خير، ويحثهم على الحفظ وعلى التَّكْرار، ويُذَكِّرُهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : تعاهدوا هذا القرآن، فلهو أشد تَفَلُّتًا من صدور الرجال من الإبل في عُقُلِهَا والتعاهد معناه: التكرار.
وكذلك أيضا يُبَشِّرُهُم بالخير بقول النبي صلى الله عليه وسلم: الماهر بالقرآن مع السَّفَرة الكرام الْبَرَرة، والذي يقرأ القرآن ويَتَتَعْتَعُ فيه وهو عليه شاقٌّ له أَجْرَان هذا مما تندفع له النفوس.
إذا عَلِمَ الشاب بهذا الأجر أنه إذا مهر في القرآن، وأتقنه وحَفِظَهُ وجَوَّدَهُ، وصار من حَمَلَتِهِ، حمله ذلك على المواصلة، سِيَّمَا إذا عَلِمَ الأجر الكبير قال الله تعالى: كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ يعني من الملائكة بِأَيْدِي سَفَرَةٍ يعني: أن أصل هذا القرآن أَصْلُ كلام الله تعالى فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ فالماهر بالقرآن يكون معهم، يعني: معهم في الدنيا، حيث إنه منهم، يعني له أجرهم، أو يُؤْتَى أجره مثلما يؤتون أجرهم.
السفرة الكرام البررة، قيل: إن السَّفَرة هم: الملائكة الذين ينزلون بالوحي، كأنهم سُفَرَاء بين الله تعالى وبين خلقه، ينزلون بالوحي على الملائكة ونحوهم، وصفهم بأنهم كِرَام على الله تعالى، بررة، يعني: أبرار من أهل الْبِرِّ، وأهل البر والأبرار هم: السعداء، وَعَدَهُمُ الله تعالى بقوله: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ .
لا شك أن هذا كله مما يَحْفِزُ همم الطلاب، ويندفعون به إلى العمل الصالح، وإلى أفضل القربات، أما إذا كان مهمته أنه مُجَرَّد ما يلقي عليهم الدرس، أو يُصَوِّبُ لهم الأخطاء، لا يشجعهم فإنَّ ذلك قد لا يُؤَثِّرُ في سيرتهم، ولا يَحْفِزُهم على المواصلة، كذلك بالنسبة إلى حملة القرآن من أولاد المسلمين نقول لهم: هنيئا لكم وبشرى! حيث إنكم في أول أعماركم، وفي شبابكم كنتم من الذين اهتموا بتعلم القرآن وبِتَفَهُّمِهِ وتَعَقُّلِهِ وبِحِفْظِهِ أو حفظ ما تيسر منه، فإن ذلك من علامات السعادة، وعلامات الخير، فبشرى لكم، ولكن لا تنقطعوا.